شارع شيهاني بشير، حي الأمير عبد القادر بلدية القنطرة قسنطينة

مدينة تيديس الأثرية

تقع مدينة“تيديس” الأثرية في جبل مهجور، وتمتاز بكثرة الكهوف التي كان الأهالي يتعبدون بها، وعٌرفت بأسماء عديدة مثل: قسنطينة العتيقة، رأس الدار، ومدينة الحرفيين، لما عرفته من إنتاج مكثّف للخزف والفخار ذي اللون البرتقالي، أما الرومان فأعطوها اسم “كاستيلي روسبيبليكا” وهو المكان المحصن المتمتع بتنظيمات بلدية، إلى أن استقرت تسميتها عند “تيديس”(وهو اسم محلي نوميدي).
ويجمع خبراء، إنّه لا يمكن اختزال آثار “تيديس” في حضارة واحدة فحسب، إذ تعتبر بمثابة بانوراما أثرية لا مثيل لها، كونها شاملة لكل الحضارات التي تعاقبت على شمال افريقيا بداية من الليبية والبونيقية والرومانية والبزنطية ثم الإسلامية والحقبة العثمانية، ويتجلى عصر ما قبل التاريخ في مجموعة من القبور تسمى “دولمانات” ومعناها “المناضد الصخرية”، وكذا مقبرة قديمة تقع على منحدر الجانب الشمالي وتجمع عدداً من المباني الأثرية الدائرية المتأثرة بطريقة الدفن الجماعي والتي تسمى “بازناس”، وتدل النصب والشواهد الموجودة على العصر البونيقي، فيما يتجلى الطابع الروماني في المناهج المتعلقة بنظام تخطيط المدن، ويكفي “تيديس” احتواءها على أصغر (كاردو).معناه الشارع الرئيسي-، وأصغر ساحة (فوروم) في مجمل المواقع الأثرية الرومانية.
بحسب وثائق تاريخية، كانت”تيديس” قرية أمازيغية من العهد النيوليتيكي تتربع على 41 هكتارا، ونمت منذ ذلك العهد ، لتتطور وسط ما كان يٌعرف ب(الدولمانات)، وكان يطلق عليها اسم “كستلوم تيديتانوروم” الذي يعني “البرج أو الحصن القديم”، تبعا لتموقعها كقلعة حصينة كانت تحمي إقليم “سيرتا العتيقة” من الهجمات الأجنبية، وما تزال شواهدها موجودة إلى اليوم. وتجد بين أطلال تيديس، كتابات في العراء لأقوام تعاقبوا على هذا المكان، يعود بعضها –استنادا إلى دراسات- إلى حقب بعيدة تمتد إلى آلاف السنين، وتجد وسط سهل تيديس الشاسع، كهوفا ومقابر، احتوت أيضا على كتابات ونصب فينيقية ونقود نوميدية ما تزال تشهد بدورها على معالم حضارة سبقت الحضارة الرومانية، رغم أنّ تيديس جرى تحويرها، استنادا إلى آراء مهندسين معماريين، حيث سعى الرومانيون إلى منحها نمطهم العمراني، وسموها “كاستلي ريبوبليكا تيديتانوروم”- -castelli respublica tidditanorum أي (جمهورية الحصن القديم)، وهو ما تؤكده وثيقة أرشيفية متوفرة. ويقول نوار ساحلي، الخبير في التاريخ القديم، إنّ أولى الحفريات تمت العام 1941، بإدارة عالم الآثار الفرنسي “أندريه برتيي” الذي كان مديرا لمتحف مرسيليا آنذاك، وسمحت الحفريات التي أجريت بقيادة باتي، في الفترة ما بين (1942/1970)، باكتشاف آثار وبقايا أثرية كانت مدفونة، وأثرت رصيد بعض المتاحف الفرنسية، إلى جانب متحف محافظة قسنطينة الذي يضم رواقا يسمى “الحياة اليومية في تيديس”.

وتشهد طلاليات “تيديس” على الحضارة الفينيقية التي أصبحت فيما بعد بونيقية، بحكم انصهار الفينيقيين مع سكان شمال إفريقيا الأصليين، بحكم روابط المصاهرة والاختلاط وممارستهم المقايضة مع سكان مدن ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وثمة شواهد تبيّن هذا الارتباط، في صورة جداريات وعينات من أواني فخارية وحلي وبعض المنتجات التي كان يتميز بها الفينيقيون، تبعا لاشتهارهم بالتجارة